تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير

تغزوت لقاء الأشقاء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 11/06/2008

القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها Empty
مُساهمةموضوع: القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها   القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها Icon_minitimeالإثنين يونيو 23, 2008 9:30 am

نشأة القصة القصيرة عند العرب
ولكن هناك من يريد أن يكون أكثر صراحة وحسماً في نسبة النشأة الأولى للقصة القصية إلى أرض العرب فيقول:

"والغريب في الأمر أنه بينما تستمد القصة القصيرة العربية- بشكل عام- والسورية- بشكل خاص- أصولها وملامحها من القصة الأجنبية، التي رسخ دعائمها كل من ألن بو، غوغول، موباسان وتشيخوف) فإن أول ميلاد للأدب القصصي في العالم كان من أرض العرب"(1) .

ويضيف الباحث نفسه في موضع آخر محدداً:

"إن نوادر جحا كانت إذن البدايات الحقيقية لفن القصة القصيرة"(2) .

وإذا كانت Nouvilia) الايطالية وNouvellen) الألمانية وNews) الانجليزية، كلها تعني الأخبار الحديثة التي لم يمر عليها زمن طويل، وإذا كانت Nouvelle) الفرنسية تعني القصة، والمصطلحات: كلمة حكاية العربية)، وكلمة Conte) الفرنسية، وكلمة) Tale الانجليزية تعني جميعها سرد مغامرات لا تستند على الواقع الحياتي للإنسان، وإنما على الخيال والأساطير وتهدف إلى التسلية"(3) "فإن الذي نخلص إليه هو أن مصطلح القصة القصيرة، نقل عن المصطلح الانجليزي Short Story)، وعن المصطلح الفرنسي) Nouvelle) وهما- في رأينا- اسمان لمصطلح واحد ومدلول واحد"(4) .

ويذكر أن بدايات القصة القصيرة من حيث الحجم لا من حيث الشكل الفني المكتمل في تاريخ الآداب الغربية، كانت قد ظهرت.

"في القرن الرابع عشر في روما داخل حجرة فسيحة من حجرات قصر الفاتيكان، كانوا يطلقون عليها اسم "مصنع الأكاذيب" اعتاد أن يتردد عليها في المساء نفر من سكرتيري البابا وأصدقائهم للهو والتسلية وتبادل الأخبار.. وفي مصنع الأكاذيب هذا كانت تخترع أو تقص كثير من النوادر الطريفة عن رجال ونساء ايطاليا بل وعن البابا نفسه مما دعا الكثيرين من الأهالي إلى التردد على هذه الندوات حتى لا يهزأ بهم في غيبتهم"(5) .

ويرى البعض أن ظهور شكل القصة القصيرة، بدأ بعدة محاولات، و"يرجع إلى العصور الوسطى حيث ظهرت محاولات لأشخاص أمثال "بوتشيو" في "الفاشيتيا" و"بوكاشيو" في "قصص الديكاميرون" وتشوسر" في "حكايات كانتربرى"(6) .

وهكذا استمر فن القصة القصيرة في التطور إلى أن اكتمل نضجه على أيدي الرواد المعروفين.

"ادجار الان بو في أمريكا سنة 1809 إلى سنة 1849م) وجي دي موباسان في فرنسا من سنة 1850 إلى سنة 1893م) وانطوان تشيكوف في روسيا من سنة 1860 إلى سنة 1904م)(7) .

وفي الواقع لا يخلو تراث أي أمة من الظاهرة القصصية، ولا يقتصر وجودها على الكتب المقدسة، وإنما توجد في معظم الأشكال الأدبية "رسمية" و"شعبية" فإذا اتخذت القصصية في ذاتها مقياسا للتدليل على نشأة القصة القصيرة أوالرواية في هذا الأدب أو ذاك، فإن كل عرق سيجد ضالته في تراثه.

ولذلك فإن المنطق المعقول يقتضي أن تكون فترة النضج واكتمال الشكل الفني هي بداية التأريخ الحقيقي.

وهذا لا يتناقض مع أن كاتباً ما يتمكن في لحظة معينة، وبفضل عوامل مختلفة أن يعصر التراكمات السابقة من الثقافة والمعرفة الأدبية فينشيء نموذجاً جديداً، ويأخذ مواصفاته من كل ما سبق ليختلف عن كل ما سبق.



وإذا ما تأملنا الفنون الأدبية المختلفة فسنجدها -تخضع جميعها إلى هذه القاعدة.

وبالنسبة للقصة القصيرة بالذات يجمع أغلب الدارسين والنقاد على أن نشأتها، كانت في القرن التاسع عشر على يد الأمريكي "ادجار ألان بو"، ثم ساعد حجمها واحتضان الصحافة لها على أن تنتشر في سائر أنحاء العالم بسرعة قلما توفرت للأشكال الفنية، خاصة أن الموضوعات سريعة التطور بحكم التأثير التاريخي المباشر فيها، بعكس الأشكال التي يعرف عنها أنها بطيئة التطور ميالة إلى المحافظة.

ولنا في الشعر العربي العمودي مثال واضح يؤكد هذه الظاهرة، إذ استمر يعانق مستجدات الحياة ويحتضن مايطرحه الواقع المتطور فترة طويلة من الزمن قبل أن تصبح الحاجة إلى ابتكار شكل شعري جديد أمراً ملحاً.

وللنقد دور كبير في هذا البطء. فلعل "الخليل بن أحمد الفاراهيدي "لما أحصى البحور والأوزان التي سار عليها الشعر العربي حتى عهده، وما كان يقصد أن يجعلها قوانين أبدية، تصلح لكل زمان ومكان. لكن الذين رسخوا هذا الاعتقاد هم أولئك الذين اتكأوا على عمله وجعلوا منه قواعد نهائية.

انطلق "ادجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات.

وقال "هيدسون" أن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. "ويرى" شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية"(Cool .

بينما يلتقي الناقد الارلندي فرانك أكونور Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني"(9) .

وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات، فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة، ليستنتج منها تعريفاً شاملاً. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة.

فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص، فالأجدر أن يكون جامعاً.

لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها.

فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية ولم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟

وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة.

لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي ويبدو حشواً يرهل النص ويضعف أثره الجمالي.

أما كونها قطعة من الخيال، فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها.

إذ الخيال قوام كل عمل أدبي ناجح، وفي غيابه لا معنى للحديث عن أدب. هكذا يتبين أن الاعتماد على خاصية واحدة لتعريف القصة القصيرة- ولو أن الخاصية أبرز من غيرها- يظل يشوبه النقص ولا يفي بالغرض المنشود. ولعل الباحث المغربي "أحمد المديني "قد شعر بقصور كل واحد من التعريفات السابقة مأخوذة على حدة، فقال موفقاً بينها جميعاً:

"وبالاجمال نستطيع القول، أن القصة القصيرة تتناول قطعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه، كما أن الأقصوصة تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية"(10) .

هذه الخصائص توجد في معظم الكتب التي تعرضت لبحث موضوع القصة القصيرة وسنعتمد فيما يلي على ثلاث عينات، من الكتب لـ "المعاصرة" في محاولة للإحاطة بما تتفق وتختلف فيه حول مميزات هذا الفن. وهي:

1-التطور الفني لشكل القصة القصيرة في الأدب الشامي الحديث لنعيم اليافي.

2-فن القصة القصيرة بالمغرب، لأحمد المديني.

3-القصة الجزائرية القصيرة، لـ "عبد الله ركيبي".
أسباب تأخر ظهورها:

أ- تأخر ظهورها في المشرق العربي:

من المسلم به اليوم، كما كان دائماً، أن العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين لم تنقطع أبداً منذ الفتوحات الإسلامية.

وإذا لم يقتصر التأثر والتأثير على المجال الأدبي فلعله في هذا المجال والمجال الديني أقوى وأعمق.

ولذلك فإن تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب العربي عامة وفي الجزائر بصفة خاصة، يعود أيضاً إلى تأخر ظهورها في المشرق العربي.

ففي المشرق العربي برزت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مظاهر التأثير الأجنبي الغربي، حيث لعبت الكنيسة الأرثوذوكسية دوراً كبيراً في حركة التبشير عن طريق البعثات.

وتأسست الإرسالية الأمريكية سنة 1886، قبل أن تتحول فيما بعد إلى ماعرف بالجامعة الأمريكية في لبنان.

في هذه المرحلة التاريخية كانت منطقة الشام تتأهب للدخول في عصر جديد، فأخذت الطبقة الإقطاعية تضعف تدريجياً وتفقد مواقعها أمام النمو المتزايد للطبقة الوسطى المتعطشة إلى الاستفادة من منجزات الغرب، في كل الميادين، ومنها الميدان الثقافي والأدبي.

فسارعت إلى إنشاء الصحف وبناء المدارس والاهتمام بالكتاب طبعاً ونشراً و توزيعاً، ليس لأغراض علمية ومعرفية محضة، ولكن -أيضاً- لأنها أصبحت تجارة رائجة مربحة.

ولقد لعب النصارى المسيحيون دوراً مهماً في تعميق الاحتكاك بين العرب وغيرهم، خاصة وأنهم كانوا في الغالب يحسنون أكثر من لغة.

ويورد الدكتور "نعيم اليافي" أن من مميزات الصحافة في الشام، أنها اهتمت بالأدب منذ انطلاقتها بخلاف الصحافة المصرية التي ركزت على الناحية العملية والعلمية.

وبالرغم من أن ترجمة القصة القصيرة قد أخذت مسار ذا اتجاهات ثلاثة:

الأول باتجاه الترجمة عن اللغة الفرنسية. والثاني: باتجاه الترجمة عن اللغة الإنكليزية منذ نهاية القرن التاسع عشر، من خلال جهود "نسيب شعلاني" في مجلات الضياء فتاة الشرق، المورد الصافي).

والثالث باتجاه الترجمة عن اللغة الروسية من خلال "خليل بيدس" في مجلة "النفائس العصرية".

إلا أن البدايات لم تكن مبكرة لأنه:

ومنذ سنة 1870 وهي السنة التي صدرت فيها "الجنان" وجدنا أن أول قصة قصيرة مترجمة عن الأجنبية كانت عن الفرنسية وتكاد المجلة تتجه هذا الاتجاه الفرنسي الخالص، فقد ترجمت أكثر من ثلاث عشرة قصة قصيرة عن الفرنسية طول فترة صدورها، وعندما احتجبت كان علينا أن ننتظر حتى نهاية القرن لنرى مجلة أخرى كالضياء تفرد للترجمة عن الفرنسية صدرها وإنما ترحب بها جنباً إلى جنب مع القصص المترجمة عن بقية اللغات"(11) .

فإذا كانت هذه هي حال المشرق العربي في اتصاله بفن القصة القصيرة، وهو الذي كان سباقاً، فكيف بالمغرب العربي، وخاصة الجزائر التي أراد الاستعمار الفرنسي أن يجعل منها جزيرة معزولة عن العالم العربي؟.

ب- سيطرة الفكر السلفي:

أشرنا في موضع سابق أوباختصار شديد، إلى أن سيطرة الفكر السلفي لا يصح النظر إليها من زاوية واحدة ولو اختلفت الظروف.

ذلك لأن الفكر السلفي في فترة البعث والإحياء، كان يشكل درعاً يتصدى به "الأهالي" للغزو الثقافي الاستعماري الذي اشتدت موجاته في القرن التاسع عشر.

والفكر السلفي الذي كان يتغذى من الكتاتيب والمساجد والزوايا، وكان يلعب دوراً مزدوجاً، فهو يعود إلى الماضي ويتمسك به ليتحصن ضد الثقافة الاستعمارية الدخيلة، خاصة وأن هذه الثقافة قد عمدت في كثير من الأحيان إلى محاربة الدين الإسلامي عن طريق الحملات التبشيرية، مما يجعل رد فعل السكان المحليين عنيفاً.

إن العودة إلى التراث كانت عند بعضهم ملجأ يهربون إليه إذا ماضاقت بهم السبل وكانت عند بعضهم الآخر سلاحاً يشهر في وجه العدو، هذا العدو الذي يسعى إلى طمس هوية الشعب المغلوب.

ثم إن هذه المحافظة نفسها، على التراث والثقافة القديمة، تعني المحافظة على مراكز اجتماعية معينة. إذا لم يكن الاهتمام بالكتاتيب والمساجد والزوايا خاصة، اهتماماً مجانياً أو خالصاً للعلم والمعرفة بالنسبة لجميع المهتمين، بل كانت تدر على القائمين عليها كثيراً من الهدايا والأموال والصدقات والأوقاف.

والفئة التي جعلت الثقافة تلعب هذا الدور الأخير، حرصت - فيما بعد- على مايضمن لها مركزها الاجتماعي، وهو عدم المساس بالمستعمر مادام هو لا يمس مصالحها.

لقد عقدت شبه هدنة بين الغالب والمغلوب، وهو مايفسر تعامل كثيرين منهم مع الاستعمار.

وكان ينمو في أحشاء هذا الاتجاه، اتجاه آخر اصطلاحي جنيني، نابع من التفاوت الطبقي والظلم الاجتماعي، وكان يعبر عن آمال الفئات المتوسطة والفقيرة، وينادي بالرجوع إلى أصول الإسلام الصافية.

فأنصار هذا الاتجاه أصبحوا يدركون بأن العقيدة الدينية، طغت عليها العادات، وأثقلتها الخرافات، وحان الوقت ليقلع الناس عن الجهل الذي كاد أن يؤدي بهم إلى عبادة "أولياء" من دون الله، ولا منقذ لهم إلا العودة إلى أصول الدين ومنابعه الصحيحة.

هذا الاصلاح الجنيني كان رائده، الشيخ "محمد طفيش" الذي ولد عام 1818 وتوفي 1914.

وظهرت ثمرة جهوده في أنه خلف مجموعة من التلاميذ بقوا أوفياء له، ومن أبرزهم "إبراهيم بيوض" والشاعر "أبو اليقظان" اللذان شاركا في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

إلا أن الاتجاه السلفي مهما تمايز، بقي في المجال الأدبي يعزف على نفس الوتر التقليدي.

لذلك جعلوا الشعر يحتل الصدارة في اهتماماتهم الأدبية والنقدية معتمدين على مقاييس قديمة لا إبداع فيها سوى مايتعلق بالموضوعات الجديدة التي فرضها واقع القرن العشرين ومتطلباته حركة التحرر الوطنية، وما تستلزمه الروح الإصلاحية في توظيفها الأدب لخدمة أهدافها.

أما ماعدا ذلك فلا يعدو أن يكون اجتراراً للأحكام اللغوية الجاهزة والنظرة التجزيئية والاحتفال الزائد بالوزن والقافية واتخاذ الماضي مقياساً في كل شيء. وإن دعا "رمضان حمود" ثم "أحمد رضا حوحو" بعده إلى التجريد، أو عبر كل منهما عن ضيقه من القيود إلا أن دعوتهما لم يكن لها صدى وضاعت في زحمة التيار السلفي المتشدد وفرعه الإصلاحي الذي لم يكن اهتمامه بالأدب إلا من حيث هو وسيلة للإيقاظ وشحذ الهمم قبل كونه متعة وجمالاً.

ج- التخلف الثقافي العام:

لم يكن في صالح الاستعمار أن يشجع على الثقافة والعلم، بل كان حريصاً على بقاء الأمية وانتشار الجهل.

وبمحاربته اللغة العربية، حارب آدابها، ليس فقط طمعاً في أن يحل اللغة الفرنسية محلها ولكن -وهذا أهم- لأن اللغة العربية وماترفده لصيقة بالدين الإسلامي، وتشكل ركيزة أساسية في هوية الشعب الجزائري. وإذا ماعمد المستعمِرون بكسر الميم) إلى العناية بالتعليم، فما ذلك إلا بهدف تكوين الموالين له من المتعلمين والمثقفين وإيهامهم بإمكانية ادماجهم في المجتمع الفرنسي وهويته، وهي إمكانية لم يؤمن بها الاستعمار ولم يصدقها يوماً، وكان من أسباب نجاحه أنه وجد من يصدقها ويتبعها. ولعل الاتجاه الاندماجي أن يكون من أبرز النتائج التي حققتها "المركزية الأوروبية" لأن أنصار هذا الاتجاه عبروا عملياً عن انبهارهم ببريق الحضارة الأجنبية الوافدة إلى حد الدعوة إلى القطيعة مع الموروث ومع الماضي.

واقتنعوا فعلاً بأن الخلاص لا يتم إلا بنبذ القديم والتعلق بالجديد الآتي من وراء البحر.

وكان هؤلاء محل سخرية عند المحافظين، لا يرون فيهم سوى مقلدين ممسوخين، وتبنيهم الثقافة الأجنبية بديلاً عن الثقافة المحلية/ الوطنية وزواجهم من نساء أجنبيات لا يعدو أن يكون من باب تقليد المغلوب للغالب.

وقد سخر "أحمد رضا حوحو" في بعض كتاباته من الزواج بالأجنبيات، كما نظم الشاعر الأمين العمودي أبياتاً تلخص "نظرة المحافظين" وموقفهم من ظاهرة الزواج هذه فقال في الدكتور "سعدان" الذي كانت زوجته فرنسية وكان له معها طفل يسمى صالحاً:

حي الطبيب لا تمهل قرينته

فهو سليمان ، والمادام بلقيس


له غلام أطال الله مدته

تنازعت العرب فيه والفرنسيس


لا تعذلوه إن خان ملته

فنصفه "صالح" والنصف "موريس")



ولا نجد أحسن تعبيراً وأدقه عن الوضع الثقافي المتخلف، ما كتبه "جون بول سارتر"، إذ يقول:

"أردنا أن نجعل من إخواننا المسلمين، شعباً من الأميين. ويبلغ عدد الجزائريين الأمين 80%. وقد كان الأمر يهون لو أننا لم نحرم عليهم استعمال لغتنا.. ولكن متطلبات النظم الاستعمارية أن يحاول سد طريق التاريخ على المستعمرين.

ولما كانت المطالب القومية في أوروبا تعتمد دائماً على وحدة اللغة، فقد حرم على المسلمين استعمال لغتهم بالذات.

إن اللغة العربية تعتبر في الجزائر لغة أجنبية منذ عام 1830 إنهم مايزالون يتحدثون بها. ولكنها كفت عن أن تكون لغة مكتوبة إلا بالقوة لا بالفعل، وليس هذا كل شيء.

فإن الإدارة الفرنسية قد صادرت دين العرب لكي تبقيهم في التجزئة والتفتت وهي تختار رجال الدين الإسلامي من بين عملائها، وقد حافظت على أحط أنواع الخرافات التي تفرق بين الناس ....).

إنها تحرصُ على عدم انتشار الثقافة وتحافظ على معتقدات الإقطاع...".(12)

هذه صورة حية بشهادة مثقف وفيلسوف كبير من جنسية فرنسية وأصل فرنسي، تؤكد أن السيطرة الاستعمارية كانت عاملاً قوياً -إن لم يكن الأقوى- في انتشار الأمية والجهل، وعقبة أولى في طريق التقدم الثقافي والعلمي.

د- ضعف النقد والترجمة:

لم تعرف الساحة الأدبية في الجزائر خلال النصف الأول من هذا القرن حركة نقدية جديرة بهذه التسمية.

ويعود ذلك إلى جملة من العوامل لعل من أهمها:

القمع الاستعماري وسيادة الاتجاه التقليدي، يضاف إلى ذلك أن المتنورين أنفسهم من المثقفين سواء بالعربية أو بالفرنسية انصب اهتمامهم على المجال السياسي قبل غيره.

وإن الاتجاه التقليدي نفسه لم يرث قدراً كافياً من التراث العربي القديم في الأدب والنقد بسبب العداء وانتهاج سياسة الإقصاء التي مورست ضد اللغة العربية من قبل الأتراك والفرنسيين معاً.

والصحافة الوطنية لم تلعب دوراً مشجعاً -بما فيه الكفاية- للأدب والنقد، ورغم أن ظهورها كان مبكراً نسبياً ظهرت الصحافة المكتوبة بالفرنسية منذ الاحتلال وظهرت الصحافة المكتوبة بالعربية وذات التوجه الكولونيالي سنة 1847، وهي جريدة المبشر).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://taghzout.mam9.com
 
القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير :: دراسات أدبية :: دراسات في القصة العربية القصيرة-
انتقل الى: