تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير

تغزوت لقاء الأشقاء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المنهج النقدي 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 11/06/2008

المنهج النقدي 1 Empty
مُساهمةموضوع: المنهج النقدي 1   المنهج النقدي 1 Icon_minitimeالإثنين يونيو 23, 2008 10:57 am

أ-المزج بين البلاغة والنقد:
ليس من غرائب الأشياء ولا من الشّذوذ في الرأي أن نعثر في نقد هؤلاء المغاربة على المزج بين البلاغة والنقد، لأنّ المناهج النقديّة لم تكن قد تبلورت بعد، ولم تكن المصطلحات التي عرفتها العصور المتأخرّة بالجة المعالم، بادية للعيان، ويكون من الغلوّ بل من الظّلم أن نلتمس مناهج نقدية خالصة في لمحات هؤلاء، لأنّ الذين عنوا بقضايا النقد الأدبيّ إنّما تناولوها ممتزجة مع أصولها وأسسها، وتحدثوا عنها حديث المتعمّق في مكوّنات بنائها وطبيعة تركيبها، فقد تركّزت مفاهيمهم النقديّة على ما كان متداولاً قبلهم، إذ أنّ الذين سبقوهم عُنُوا في أحكامهم تلك بطبيعة وأنساق هذا المزج بصورة عامة، بل إن كثيراً منهم بنى منهج حكمه النقديّ على تأثرّه الواضح بالبلاغة، فأجهد نفسه في اختراع قضايا ذوات الصّلة الوثيقة بها بدءاً بالباحثين في إعجاز القرآن، ومروراً على الشارحين والمحلّلين للحديث النبويّ، وانتهاء بالدارسين للآثار الشّعريّة وحدها.

ميلان الحصري إلى هذا النوع من النقد:
ممّا هو جدير بالملاحظة أنّ هذه القضيّة توشك أن تنتشر في مختلف ما عثرنا عليه لنقاد المغرب العربيّ، فالحصري – وإن لم يكشف عن نظريّة واضحة تميزه- فإنّه ترك ما يدلّ على تأثره بالبلاغة والنّقد، من ذلك أنه نقل نصاً هو عبارة عن جواب من المعتضد لخمارويه بعدما حملت إليه ابنته قطر النّدى، ومهما بعث بكتاب إليه يذكّره بحرمة سلفها بسلفه، فأجابه المعتضد بوساطة كاتبه (الحسن بن ثوابة) الذي كتب يقول:

"وأمّا الوديعة فهي بمنزلة شيء انتقل من يمينك إلى شمالك عناية بها، وحياطة عليها، ورعاية لمودّتك فيها"([1]).

لكنّ وزير المعتضد (أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب) لم يرق له وصف الكاتب لقطر النّدى، وذلكم ما جعله يعيب عليه إنشاءه، ولا سيّما أنّه استشف إعجاب هذا الكاتب بما ابتدعه، وفتنته بما شبّهه، وتأكيده في افتخار: "تسميتي لها بالوديعة نصف البلاغة"([2]) فانتقده الوزير المشار إليه آنفاً بأنّ ما جاء في خطابه إنّما هو إساءة لقطر النّدى لا يرفع من قيمتها، وأوضح أسباب اعتراضه بقولـه: "ما أقبح هذا! تفاءلت لا مرأة زفّت إلى صاحبها بالوديعة، والوديعة مستّردة، وقولك: من يمينك إلى شمالك أقبح، لأنّك جعلت أباها اليمين، وأمير المؤمنين الشّمال، ولو قلت:

"وأمّا الهديّة فقد حسن موقعها منا، وجلّ خطرها عندنا، وهي وإن بعدت عنك بمنزلة من قربت منك، لتفقدنا لها، وأنسنا بها، ولسرورها بما وردت عليه، واغتباطها بما صارت إليه لكان أحسن([3]).

فالحصري كدأبه لم يعارض أو يوافق، وإنّما اكتفى بإيراد الرأيين معاً ثم ترك الحكم للمتلّقي، وإن يفهم من استعراضه للرأيين أنّ الثاني أولى من الأوّل بالأخذ، ولو كتب للحصري أن يبدي رأيه صراحاً لما خطّأ الحسن بن ثوابه- في تقديرنا- لأنّ الوزير لم يكن ناقداً حقيقيّاً وإنّما كان ذوّاقة يؤوّل الخطاب حسب فهمه، ويقلّب معانيه تبعاً لما يتماشى مع هدفه، ومن هدفه هو بلا شك إبعاد كل قريحة تروم منافسته في البلاط، ولو كانت قريحة أديب أو شاعر.

وما يهمّنا هنا، هو تركيز الحصري على الصّور التي يشتطّ أصحابها كثيراً ثم يطلقونها على عواهنها، كأنّه يريد أن ينبّه بأنّ الإبداع الحقيقيّ ليس في ابتكار الصور كيفما اتفق ولكن في التي تتوافق مع الموقف، وتتلاءم مع المقام.

طموح الحصري إلى تأسيس أساليب نموذجية:
كثيراً ما كان الحصري يستشهد ببعض الشعر الذي يتوسم فيه توفّره على إبداع من حيث الوجهة الفنيّة، والابتكار الجماليّ، فكأنّ كلّ همّه كان يتلخّص في البحث عن التّدقيق في شخصية الشاعر أو الكاتب عموماً، وهذا ما يعبّر عنه قوله:

"وفد الأخطل على معاوية فقال: إني قد امتدحتك بأبيات فاسمعها، فقال: إن كنت شبّهتني بالحيّة، والأسد أو الصقر، فلا حاجة لي بها وإن كنت قلت كما قالت الخنساء، وانشد البيتين([4]) فقل. فقال الأخطل: والله لقد أحسنت، وقد قلت فيك بيتين ما هما بدونهما، ثم أنشد:


إذا مِتّ مَات العُرْفُ وانْقَطَعَ النّدَى



فلم يبْقَ إلاّ من قَلِيلٍ مُصَرّدِ





ورُدّتْ أكُفُّ السّائلين وأمْسكوا



عن الدّين والدُّنيا بحزنٍ مُجَدّدِ([5])






وما يستنتج من هذا القول أنّ الممدوحين أنفسهم ضاقوا بالأوصاف التي ظلّت تتداول على موائدهم ينقلها الآخرون عن الأولين كما لو كانت شيئاً دائم الثبات لا يجوز الحياد عنه، فمعاوية – وهو الرجل العربيّ الذي عاصر الفصاحة في مهدها – يزهد في المدح الذي سيخصّه به الأخطل إن هو لم يخرق القاعدة التي ألف المداحون أن ينهجوها.. فهو قد سئم أوصاف عصره، وأمل أن يسمع من أحد مثلما قالته الخنساء. لذلك طمأنه الأخطل بأنّه حريّ أن يأتي بمثل ما قالته، ولكن بأدب وإقرار بقيمتها، واستحسان لمعانيها، وهو ما جعله يشحذ قريحته، ويطوّر صوره قبل أن يتلفّظ ببيت واحد. وهو منهج يتماشى مع مفهوم الحصري للشعر وآرائه فيه، حيث أنّه يبحث عن الجديد المبتكر، ويرفض كل ما هو ممجوج مبتذل.

ويورد بعد ذلك حواراً جرى بين الخنساء وبعض الحذّاق بالشعر، حيث عابوا عليها مستنكرين: لقد مدحت أخاك حتّى هجوت أباك! فقالت:

يتعاوَرَانِ([6]) مُلاءَةَ الحُضْرِ([7])



جارَى أباهُ فأقَبلا وهما



ساوَى هُناكَ القَدْرَ بالقَدْرِ([8])



حتّى إذا جَدّ الجرَاءُ وقد



قال المجيبُ هناك لاَ أَدْري



وعلاَ صياح النّاسِ أيُّهمَا



ومضى على غلوَائِهِ يجري



برقَتْ صحيفةُ وجهِ والدهِ



لوْلا جَلالِ السّنّ والكِبرِ



أوْلى فأوْلى أنْ يساوِيَهُ



صَقْرَانِ قد حطّا إلى وَكْرِ([9])



وهما كأنّهما وقد بَرَزَا




"وقيل لأبي عبيدة: ليس هذا في مجموع شعر الخنساء. فقال: العامّة أسقط من أن يجاد عليها بمثل هذا.. وقول الخنساء:

..................... يتعاوران ملاءة الحضر

أبرع استعارة، وأنصع عبارة"([10]).

لقد أورد الناقد الأبيات واكتفى بالإشارة إلى أهمّ شيء بالنّسبة له يسترعي الانتباه، ويستقطب النظر، وهو هذه الصّور التي من أفضلها عنده تلك الاستعارة التي أخذت بلبّه، واستولت على جوانحه، مع أنّ هناك صوراً أخرى كان يمكن أن يقف عندها مثلما هو الحال في:

- جدّ الجراء

- برقت صحيفة وجه والده

- صقران قد حطّا إلى وكر

والحصري كثيراً ما يكتفي بإشارة عابرة، ويجتزئ بتعليق موجز كما يستبين ذلك مما سيقوله بعد إيراد الأبيات التالية:

على إخوانهم لقتلتُ نفْسي



فلولا كثرةُ الباكين حوْلي



أُسلّي النّفس عنْه بالتأسّي



وما يكون مِثْلَ أخي ولكنْ



وأذْكُرُه لكُلّ غروبِ شمسِ([11])



يذكّرني طلوعُ الشمسِ صخْراً




ثمّ يعلق على هذه الأبيات بقوله:

"يعني أنّه تذكّره أول النهار للغارة، ووقت المغيب للأضياف"([12]).

تركيز منهج الحصري على البنى الإفرادية والصوّر:
لابدّ من الاعتراف، بأنّ ماسبق من النّصوص حتى الآن، لايعبّر عن منهج الحصري البلاغيّ النقديّ، ولعلّه يتّضح أكثر في ما سنورده الآن من نماذج أخرى تكشف مدى حرصه على البنى الإفراديّة التي تميل إليها نفسه، وتجعل من هذه الأمثلة نموذجاً حقيقيّاً تجري مجرى الأمثال "لحسن استعارتها، وبراعة تشبيهاتها"([13]) فهو لايقترحها لسلاسة في مبناها، ولا لسموّ أو ابتكار في معناها، ولكنّه يقترحها لكونها ترقى إلى البلاغة النادرة، والصّور المثيرة، واقتراحاته عبارة عن أمثلة يعتقد أنّها قمينة بالتوظيف في مايرومه الشعراء من مدحيّات أو أوصاف جميلة؛ يقول:

1-"فلان مسترضع ثدي المجد، مفترش حجر الفصل".

2-"له صورة تستنطق الأفواه بالتّسبيح، ويترقرق فيها ماء الكرم، وتقرأ فيها صحيفة حسن البشر".

3- "هو راجح في موازين العقل، سابق في ميادين الفضل، يفترع ابكار المكارم، ويرفع منار المحاسن".

4-"ينابيع الجود تتفجّر من أنامله، وربيع السماء يضحك من فواصله".

5-"هو بيت القصيدة، وأوّل الجريدة، وعين الكتيبة، وواسطة القلادة، وإنسان الحدقة، ودرّة التّاج، ونقش الفصّ! وهو ملح الأرض، ودرع الملّة، ولسان الشريعة، وحصن الأمة".

6-"أرج الزّمان بفضله، وعقم النّساء عن الإتيان بمثله"([14]).

7-"غصن طبعه نضير، ليس له في مجده نظير، قد جمع الحفظ الغزير، والفهم الصحيح، والأدب القويّ القويم، ومايؤنسه من الوحشة إلاّ الدّفاتر، ولا يصحبه في الوحدة إلاّ المحار".

8-"أخلاق أعذب من ماء الغمام، وأحلى من ريق النحل، وأطيب من زمان الورد".

9-"أخلاق أحسن من الدّرّ والعقيان، في نحور الحسان، وأذكى من حركات الروح والرّيحان".

210-"حلو المذاق، سهل المساغ، أجمل الناس في جدّ، وأحلاهم في هزْل، يتصرّف مع القلوب، كتصرّف السحاب مع الجنوب، ذو جدّ كعلّو الجدّ، وهزل كحديقة الورد، له عشرة ماؤها يقطر، وصحوها من الغضارة يمطر"([15]).

11-"هو ممّن لاتدوم المداهنة في عرصات قلبه، ولاتحوم المواربة على جنبات صدره".

12-"في ودّه غنى للطالب، وكفاية للراغب، ومراد للصحب، وزاد للركب. هو في حبل الوفاء حاطب، وعلى فرض الإخاء مواظب. النّجح معقود في نواصي آرائه، واليمن معتاد في مذاهب أنحائه"([16]).

13-"رأي كالسهم أصاب غرة الهدف، ودهاء كالبحر في بعد الغور، وقرب المغترف، لايضع رأيه إلاّ مواضع الأصالة، ولا يصرف تدبيره إلاّ على مواقع السّداد والإصابة. يعرف من مبادئ الأقوال خواتم الأفعال، ومن صدود الأمور أعجز مافي الصّدور. رؤيته رأي صليت، وبديهته قدر مصيب. يسافر رأيه وهو دان لم يبرح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم ينزح".

14-"قطب صواب تدور به الأمور، ومستنبط صلاح يردّ إليه التّدبير، يرى العواقب في مرآة عقله، وبصيرة ذكائه وفضله، وله رأي يردّ الخطب مصلّماً، والرّمح مقلّماً، آراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب، كأنّه ينظر الغيب من وراء ستر دقيق، ويطالعه بعين السّداد والتوفيق"([17]).

وبنظرة بسيطة إلى نصوص الحصري فإنّنا نستكشف ولعه الكبير وشغفه الشديد بما سماه الجاحظ ثم ابن الأثير: البيان، لأنّ "البيان" هو السّمة العامّة لنصوصه هذه ممّا يجعلنا نجزم بميله إليه في مختلف الآراء التي قالها في الشعر، وهي –على قلّتها- تدلّنا على منهجه البلاغيّ/ النقديّ من خلال مايشترطه في الخطاب الشعريّ من أسلوب شعريّ راق يتمثّل على وجه الخصوص في كلفه بالاستعارة والكناية والتشبيه؛ ويمكن للدارس أن يستنتج ذلك بوضوح عبر النصوص المثبتة آنفاً، وليس لنا أن نفصّل فيها القيل حتّى لايستأثر هذا الفصل بناقد واحد، بل نترك ذلك لمن رام التفصيل والتطويل.

القاضي عياض والنقد الأدبيّ/ البلاغيّ:
لم يختلف القاضي عياض عن سابقيه من حيث العناية بإعجاز القرآن الكريم، لأنّ هذا التوجّه كان هو السّمة العامّة للعصر مثلما يوضّحه الدكتور عبد السلام شقور في ملحوظته قائلاً: "إنّ عموم النّقّاد في العصر المرابطيّ دخلوا ميدان النقد والبلاغة من باب الدّراسات القرآنية، فقد كانت الكتب التي ألّفت على هامش إعجاز القرآن الكريم عمدتهم"([18]).

وخير من يمثل أولئك النّقّاد بلا شك هو القاضي عياض الذي حصر أوجه إعجاز القرآن في أربع حالات:

1-حسن التأليف والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه.

2-صورة نظمه، والأسلوب الغريب المخالف لأسلوب العرب.

3-ماانطوى عليه من الإخبار بالمغيبات.

4-ماأنبأ به من أخبار القرون السالفة([19]).

ويستبين رأي القاضي عياض أكثر ما يتعلق بإعجاز القرآن حين يرى أنّ حالات "الإعجاز كثيرة، وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه:

1-"حسن تأليفه.

2-التئام كلمه وفصاحته.

3-وجوه إيجازه.

4-بلاغته الخارقة"([20]).

والقاضي عياض في تعرّضه للإعجاز القرآنيّ يدرس مايشتمل عليه الكتاب الكريم من بلاغة نادرة، وفصاحة مثاليّة. بيد أنّه في دراسته البلاغيّة لايكاد يفرق بين علوم البلاغة الثّلاثة الرئيسة، فهو يتناول الاستعارة على أنها من باب البديع مثلاً، وهو مايدلّ على أنّ البلاغة لم تكن معالمها قد اتّضحت بصورة جليّة من حيث التقسيم الدّقيق.

النقد التطبيقيّ عند عياض؛ حديث "أم زرع" نموذجاً:
قد يستبين شغف عياض بالبلاغة أكثر في شرحه لحديث (أم زرع) الذي يعدّ شرحاً مشهوراً كتب عنه الكثير([21]) وقام بتحليله ودراسته ونقده عياض ضمن كتابه "بغية الرائد فيما تضمّنه حديث أمّ زرع من الفوائد"([22]) وحتّى لاتتشعّب الدّراسة نقتصر –في إيراد نماذج من نقد عياض –على ماقالته المرأة الأولى:

"زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْس جَبَلٍ([23]) لاسَهْلٍ([24]) فَيُرْتَقَى([25])، وَ لاسَمِينٍ فَيُنْتَلُ([26])"([27]).

وهذا الحديث شرحه شرحاً لغويّاً وبلاغيّاً ونقديّاً؛ لكنه أحاط خطاب المرأة الأولى عناية أكبر من البواقي حيث حلّله ضمن تسعة مقاطع كما نصّ الدكتور علاّل الغازي([28]).

ودرءاً للسأم، وحرصاً على الرغبة في الإيجاز، نكتفي بإيراد المقاطع الثلاثة التي ركّز عليها الباحث المشار إليه؛ جاعلاً إياها تمثل نموذجاً لباقي المقاطع الأخرى، لأنها في الواقع هي الجديرة بالذكر والقمينة بالتبيين:

1-"… واعتبر كلام الأولى، فإنّه مع صدق تشبيهه، وصقالة وجوهه، قد جمع من حسن الكلام أنواعاً، وكشف عن محيّا البلاغة قناعاً، وقرن بين جزالة الألفاظ، وحلاوة البديع، وضمّ تفاريق المناسبة، والمقابلة، والمطابقة، والمجانسة، والترتيب، والتّرصيع. فأمّا صدق تشبيهها فعلى ماشرحناه قبل، والتشبيه أحد أنواع البلاغة، وأبدع أفانين هذه الصناعة، وهو موضوع للجلاء والكشف، والمبالغة في البيان والوصف، والعبارة عن الخفيّ بالجليّ، والمتوهّم بالمحسوس، والحقير بالخطير، والشيء بما هو أعظم منه وأحسن، أو أخسّ وأدون، وعن القليل الوجود بالمألوف المعهود. وكلّ هذا لتأكيد البيان، والمبالغة في الإيضاح. فانظر أين قول القائل: الذين كفروا أعمالهم لاينتفعون بها؛ من قوله تعالى: (الّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ)([29]) (الآية). وتأمّل مابين الموضعين من البيان، وفرّق بين الكلامين في الإيضاح، وإن كان الغرض واحداً والموضوع سواء…"([30]).

2-"ثم انظر حسن نظم كلامها وتطارده، وأخذه حقّه من المؤالفة، والمناسبة في الألفاظ التي هي رأس الفصاحة، وزمام البلاغة، فإنها وازنت ألفاظها، وماثلت كلمها، وقدّرت عقرتها، وحسّنت أسجاعها، فوازنت في الفقرة الأولى "لحم" "برأس" في الثانية، و"جمل" "بجبل" و"غث" "بوعث" في الرواية الواحدة، و"قحر" "بوعر" في الرواية الأخرى، فأفرغت كلّ فقرة في قالب أختها، ونسجتها على منوال صاحبتها؛ ومن هذا الباب في القرآن العزيز في حسن التأليف، ومناسبة الألفاظ، ومقابلة الكلمات، كثير.."([31]).

3-"… وفي كلام الأولى نوع ثالث من البديع يسمّى التّرصيع وقد يسمّى بالموازنة، وبالتّسميط، وبالتّضفير، وبالتّسجيع، وهو أن تتضمّن الفقر، أو بيت من الشعر، مقاطع أخرى بقوافي متماثلة غير فقر السجع، وقوافي الشعر اللازمة، فيتوشّح بها القول، ويتفصل بها نظم اللفظ، كما أتت هذه "بجمل" في وسط الفقرة الأولى، و"جبل" في وسط الفقرة الأخرى، ففصّلت بذلك الكلام، على حدّ من المقابلة، أثناء السّجعين اللذين هما: غثّ ووعث، فجاء لكل فقرة سجعان متماثلان متقابلان([32]).

الخصائص الفنيّة لمنهج عياض النّقديّ:
لعلّ أنّ هذه المقاطع الثّلاثة تلخّص منهج عياض، وتكشف عن خصائصه في نقده والتي يمكن أن تتمحور حول القضايا الفنية التالية:

أ-احتفاله بالبلاغة تشبيهاً وبياناً.

ب-كشفه عمّا في النّصّ من جزالة الألفاظ، وحلاوة البديع من خلال استعراضه لبعض المصطلحات النقديّة التي تحتاج وحدها إلى وقفات لتفصيلها وتفسيرها والتعليق عليها كالمقابلة، والمطابقة، والمجانسة، والترتيب، والتّرصيع.

جـ-الاستشهاد في البيان بالقرآن الكريم.

د-إعجابه بما النّصّ من نظم خطابيّ يعتمد على المؤالفة.

هـ-توضيحه السجع الموجود في هذا النّصّ، وتبيين ذلك بوساطة:

جمل/ جبل، ثم: غث/وعث.

ز-إفراده فصلاً خاصّاً بالتّرصيع الذي لم يقتصر فيه على اسمه الشّائع، بل يذهب إلى أنّه قد يسميّه آخرون خلاف ذلك مثل: الموازنة، والتّسميط، والتضفير، والتّسجيع.

ومانستخلصه من نقده هذا هو أنّه ركّز على البلاغة متعرّضاً في الآن ذاته إلى أوجه الإعراب المختلفة للكلمة الواحدة عندما يرى ذلك ممكناً كما هو الأمر في حديث المرأة الأولى: "لا سهل" حيث أنّه فصّل القول في ماذهب إليه هذا الفريق، ثم أظهر رأيه صريحاً في أنّ الضمّ أفضل وأبان عن السبب في ذلك.

ويلاحظ على نقده اهتمامه بجمال الأسلوب، وميله إلى النقد التأثري الذوقيّ من خلال تشريحه للبنية الإفراديّة معجميّاً ودلاليّاً.

وعوامل مثل هذه هي التي جعلت الدارسين يصفونه بالناقد الكبير، وبأشهر ناقد عرفه القرنان السابع والثامن الهجريّان، وبأنّه بلا جدال "يعتبر من كبار النقاد من أجل كونه من كبار علماء الحديث"([33]) بل أُقرّ حقاً وأؤكد أنه يعدّ من الراسخين "في مختلف العلوم كالنحو واللغة والأدب والتاريخ والتراجم وكلام العرب وأيّامهم وأنسابهم"([34]).

ونختم الحديث عن منهجه المتمثل في الشغف بالبلاغة ومزجه إيّاها بالنقد وبالبحث في القواعد النحويّة، بما يصفه به الدكتور عبد السلام شقور في قوله: "إنّ تهافت عياض على الألوان البلاغيّة لاحدّ له: تجده في افتتانه بالسجع والجناس، والطباق، والموازنة، والاستعارة، والترصيع"([35]).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://taghzout.mam9.com
 
المنهج النقدي 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير :: دراسات أدبية :: النقد الادبي القديم بالمغرب العربي-
انتقل الى: