تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير

تغزوت لقاء الأشقاء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 النقد عند النهيشلي- نموذج -

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 11/06/2008

النقد عند النهيشلي- نموذج - Empty
مُساهمةموضوع: النقد عند النهيشلي- نموذج -   النقد عند النهيشلي- نموذج - Icon_minitimeالإثنين يونيو 23, 2008 10:54 am

أقسام الشعر عند النهشلي:
نظر القدامى إلى أقسام الشعر نظرات مختلفة كل حسب ميوله، فلما جاء النهشلي صنّفه تصنيفاً مغايراً يتلاءم مع عقيدته الراسخة، ومع التّقاليد الاجتماعية التي تنحو منحى أخلاقياً؛ فقال "الشعر أربعة أصناف؛ فشعر هو خير كلّه: وذلك ما كان في باب الزّهد والمواعظ الحسنة، والمثل العائد على من تمثّل به بالخير وما أشبه ذلك"، وشعر هو ظرف كلّه وذلك هو القول في الأصناف والنعوت والتشبيه وما يفتن به من النعوت، والمعاني والآداب. وشعر هو شرّ كله: وذلك هو الهجاء وما تسرّع به الشاعر إلى أعراض الناس. وشعر يتكسّب به: وذلك أن يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيها، ويخاطب كل إنسان من حيث هو، ويأتي إليه من جهة فهمه"([28]).

تحليل نص النهشلي:
إن هذا النص الذي أوردناه يحتاج إلى وقفة متأنية لتحليل ما احتوى عليه من قضايا نقديّة تماشت مع طبيعة الناقد ومن ثم إبرازه، فقد اشتمل حكم الناقد على توضيح أربعة أصناف؛ لكن الفكرة الأساسية تتلخّص في قوله:

1-"شعر هو خير كله: الزهد، والمواعظ الحسنة، والمثل العائد على من تمثّل به بالخير".

ففي هذا الأساس أو الركن الأول يحشد الصفات التي تنضوي تحت لواء الخير كما هو الشأن في غرض الزهد الذي لا يلجأ إليه الشعراء إلا في حالات خاصّة تكون ناتجة عن صفاء النفس وتساميها وتوبتها إلى بارئها سبحانه وتعالى، فهذا الغرض عرف ازدهاراً أكثر بعد بزوغ نور الإسلام، فمال إليه الشعراء تلقائياً أحياناً، أو لم ينتبهوا له إلاّ في سن متأخرة من أعمارهم القصيرة وهو شعر في الواقع شمل مختلف الدواوين، وكاد يطغى على الأغراض الأخرى عند بعض الشعراء... لأنّه الغرض الذي يخجل الشاعر من الخوض فيه للتكفير عن اللهو الذي غرق فيه، والهوى الجارف الذي عصف به. ففي إلقائه تنفيس عن الكربة، وفي الاستماع إليه غسل لأدران السنين. من أجل ذلك عدّه النهشلي في طليعة الأنواع التي يجب أن تسود الشعر.

2-"وشعر هو ظرف كلّه: هو القول في الأصناف والنّعوت والتشبيه وما يفتن به من النّعوت، والمعاني والآداب".

وفي هذا العنصر الثاني: يشير إلى الأنواع والصفات والتشبيهات الرائعة التي ترد في الخطاب الشعريّ للفحول. والشيء نفسه يقال فيما يتّصل بالمعاني السامية، والآداب الرفيعة؛ ذلك أنّ هناك أغراضاً أخرى هي في منزلة "الزهد" وإن لم تبلغ مبلغه من حيث المدلول مثلما يصدر عن شعراء الغزل والوصف والحكمة والحماسة لما يحمله شعرهم من مزايا تتسم بالصدق أو بالتخيل أو بالبيان المثير. وإلاّ؛ فمن ينكر ما ورد من تشبيهات في الشعر الجاهليّ والعربيّ بصفة عامّة؟ ولسنا هنا في مجال تعداد هذه الصور التي حفل بها خطابنا الشعريّ العربيّ على مرّ الأزمان والدهور ولكنّا لا نعفي أنفسنا من إيراد بعض النماذج على سبيل الإشارة فحسب.

ومن التشبيه الذي لا يمجّه السمع أو يضجر منه ما ورد في بيت امرئ القيس:


وليلٍ كَموجِ البحرِ أرخَى سُدولَهُ



عليّ بأنواعِ الهمُومِ لِيَبْتَلِي






فالصورة التي احتواها هذا البيت ليست غامضة ولا مغرقة في التخيّل ولكن الأنظار تُشدّ نحوها وتنجذب برونقها. والسرّ في هذا الانبهار الذي هيمن على نفس المتلقيّ هو تعدّد المشبه به وإن لم يأت المشبّه إلاّ مفرداً.

المشبه = ليل: (مفرد)/(1)

المشبه به = موج البحر: (جمع) / (مركّب).

وهذا التشبيه لا تخفى قيمته التخييليّة من جانب آخر، "فالليل" بما يحمله في أعماقه من ضخامة تصوريّة وذهنيّة غير مرئيّة توحي بالكثير، وتشي بظلام دامس ينعدم فيه النور، ويهيمن الديّجور. فالنظر إليه لا يعدو مسافة اليد، ولكنّ التّخمين والبصيرة بعيدان. ولهذا الذي أتينا عليه أشبه بالبحر؛ إذ بحسب المرء أن يتلفظ بهذه الكلمة ليمثل أمامه مدلول ناتج عن العظمة والرهبة والوجل!. فالبحر: رمز للإخفاء والهيمنة والجبروت، والرعب الذي يرعد الفرائص لما يعرف عنه الناس من تصرفات لا ترحم!.

وليست أنواع النعوت والصفات والتشبيهات وحدها هي التي استرعت انتباه الناقد، بل كل ما يدخل تحت هذا الباب من روعة المثل، وجمال الحكمة، وصدق الوصف؛ ومثل هذا قائم في مختلف مدونات الخطاب الشعريّ ولا سيما الإسلاميّ منه.

3-"وشعر هو شر كله: الهجاء/ التسرع إلى أعراض الناس":

وفي القاعدة الثالثة لتعريف الشعر يؤكد الناقد النهشلي مدى خطورة النبش في أعراض الناس والتعدي على الحرمات، وتعداد النقائص والمثالب، مع غضّ الطّرف عن الصفات الحسنة التي تشتمل عليها النفوس عادة؛ لأنه يستحيل أن ينعدم الخير نهائياً وتغيب المحاسن والمكارم، ولا تبرز إلاّ المساقط والمساوئ. فالجري خلف الآخرين بغية كشف أفعالهم تأباه الأخلاق الرفيعة، وتنهى عنه الأعراف والقوانين الوضعيّة. أما جرمها عند الله فهو كبير؛ لأن الآيات الكريمة والأحاديث النبوية نهت عن التعرض بالإساءة إلى الآخرين: قال تعالى: ]يَا أيّهَا الذين آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أنْ يَكُنّ خَيراً مِنْهُنَّ. ولا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بالألقابِ. بئسَ الاسمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ. وَمَن لمْ يَتُبْ فَأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ[([29]).

وجاء في تفسير الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بأنّ سبب نزولها- كما أورده ابن عبّاس (رض)- هو "أنّ ثابت بن قيس بن شماس كان في سمعه وقر، وكان إذا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (أوسعوا له ليجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول) فجاء يوماً يتخطّى رقاب الناس فقال رجل: (قد أصبت مجلساً فأجلس) فقال ثابت: من هذا؟ فقال الرجل: أنا فلان. فقال ثابت: ابن فلانة؛ وذكر أمّا له كان يعيّر بها في الجاهليّة، فاستحيا الرجل، فأنزل الله هذه الآية، فهذا من اللّمز.

وروى عكرمة: "أنّها نزّلت لمّا عيّرت بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم أمّ سلمة بالقصر" وهذا من السخرية([30]).

وفي الحديث الشريف: "المسلم أخو المسلم، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. بحسبِ امْرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"([31]).

فالإساءة إلى الآخرين إذاً ليست بالأمر المباح كما نبّه عليه الناقد وعمل على ترسيخه في نظريته هذه التي تفسّر الشعر تفسيراً دينياً أخلاقياً.

4-"وشعر يتكسّب به: يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيها يخاطب كل إنسان من حيث هو، يأتي إليه من جهة فهمه".

أدخل الناقد ثلاث علامات للتدليل على سخف شعراء المدح وسقوطهم وتلوّنهم في مواقفهم؛ لأنهم يخيفون الناس بسلاطة ألسنتهم وبوقاحة أفكارهم، فيسارع أولئك وهؤلاء لاتقاء شرهم ولجم أفواههم بالهبات والهدايا الثمينة خوفاً من سياطهم كما أسلفنا، على اعتبار أنّ الإعلام القديم كان هو الشعر، لأنه سرعان ما تتبادله الرّكبان، وتتناقله القوافل السيارة عبر البيئات المختلفة فيرتسم في الأذهان، ويحفر في الذّاكرة.

وقد يعاب هذا التصنيف على الناقد من لدن الذين ينشدون التجديد، أو ليسوا ميالين إلى التصور الأخلاقيّ؛ لكنه تقسيم له قيمته في زمانه وحتى زماننا هذا، علماً بأنّ النهشلي قد قسم الشعر إلى أقسام أخرى في مقام آخر.

والقمين بالتسجيل أنّ لهذا الناقد رأياً خاصّاً في الشعر الذي ينحو منحى إسلامياً أو منحى غزلياً، وإن كان هذا المفهوم قد اتضحت خيوطه أكثر حينما قام بتقسيم الشعر إلى أصناف لها اتصال بالمنهج الإسلاميّ في الفن بصورة عامّة، والشعر بصورة خاصّة.

ولقد استطاع أن يبدي بوضوح وجهة نظره في شعر كثير من الشعراء- وإن كان باقتضاب- كما يلاحظ الأستاذ بشير خلدون([32])، فهي لا تعدو أن تكون لمحة خاطفة على نحو ما وصف به شعر حسان بن ثابت حين قال:

"ومن أحسن ما ينشد في دار مقامة القوم من الشعر الجامع لخصال المدح قول حسان بن ثابت الأنصاريّ في آل جفنة الغساني:

يوماً بِجَلِقَ في الزّمان الأَوّل



لِلّه دَرّ عصابةٍ نادمْتُها



لا يَسْأَلُونَ عنِ السّوَاد المقْبِلِ



يَغْشَوْنَ حتّى ما تَهِر كِلابهُم



شُمُ الأنوفِ من الطّرازِ الأوّلِ



بِيضُ الوُجوه كريمةُ أحسابُهم



مَشْيَ الجِمَالِ إلى الجمال البُزّلِ



يمشون في الزّرد المضاعَفِ نسْجُه



كَأساً تُصَفّقُ بِالرّحيقِ السَّلْسَلِ



يَسقُونَ مَن ورد البَريصِ عليهمُ



قبرِ ابنِ مَارِيةَ الكريمِ المفضِلِ([33])



أولادُ جَفْنَةَ حولَ قبرِ أبيهمُ




منهاج النهشلي في نقد هذا النصّ وغيره:
قد يكون من المفيد أن نشير إلى طريقته في نقد الشعر والشعراء؛ لأنه كثيراً ما يشرح بعض البنى الإفرادية للنص الشعريّ، ويزيد بياناً بالتوضيح والتفصيل، أولا يكتفي بهاتين الطريقتين وحدهما؛ بل يقوم بإبداء وجهة نظره مدخلاً شخصيته من غير أن يضيف إضافات كثيرة؛ يقول معلقاً على نصّ حسان بن ثابت هذا:

"قولـه: حول قبر أبيهم: أي هم أرباب مدائن وقصور وقرار لا منتجعون من عدم، ولا يرتحلون من ضيم، وأنّهم حول قبور آبائهم، ومنازل أوليائهم ودار عزّهم. ويقال إنّ معنى قوله على قبر أبيهم أنهم مقيمون على مآثره وسنّته، والأول أصحّ. وقوله "ابن مارية" للشاعر أن يسمى الملك ويدعوه باسم أمّه في الشعر، وباسمه بغير كنية، وليس ذلك بغير الشعر بجائز إلاّ ضرورة على وجه الاحتقار، وهذا من فضل الشعر"([34]).

فهو في هذا الرأي الذي أبداه بشأن نصّ حسان، هادئ متروّ لا يسارع إلى الحكم النهائيّ، ولا يقرّر التقرير، ولكنه يتريّث ويتحفّظ، ويجنح إلى الشرح اللفظّي للعبارة الشعريّة متناسياً القيمة الجماليّة والرونق اللفظيّ، والإيقاع الذي ينجم عن حرف الرويّ المكسور، إلى غير ذلك من القيم التي يجب أن تتضافر كي يبلغ النّصّ الشعريّ قمته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://taghzout.mam9.com
 
النقد عند النهيشلي- نموذج -
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير :: دراسات أدبية :: النقد الادبي القديم بالمغرب العربي-
انتقل الى: