تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير

تغزوت لقاء الأشقاء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التضحية في سبيل الآخرين‏

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 11/06/2008

التضحية في سبيل الآخرين‏ Empty
مُساهمةموضوع: التضحية في سبيل الآخرين‏   التضحية في سبيل الآخرين‏ Icon_minitimeالإثنين يونيو 23, 2008 10:36 am

التضحية في سبيل الآخرين‏

عند تولستوي ونعيمه:‏

ونجد الفكرة ذاتها في قصة "القوزاق" (1863) . يكتب تولستوي في هذه القصة، أنّ السعادة حاجة فطرية لدى الإنسان ولذلك فتلبيتها أمر ضروري ومشروع، ولكن إذا لبيت بصورةٍ أنانيةٍ، أيّ في البحث عن الثروة والمجد، فإنّ الظروف يمكن أن تتكون بشكل لا يستطيع فيه الإنسان أن يلبي كلّ أمانيه، وهذا يعني أنّ هذه الأماني غير مشروعة. ويمكن تلبية حاجة الإنسان إلى محبة الآخرين والتضحية بالذات من أجلهم "وهل يجوز أن نعيش بصورةٍ أنانيةٍ، إذ أن الحياة قصيرة، وما معناها إن لم نعمل فيها الخير ولا يعرف أحد أننا قمنا بعمل الخير" (96ص87) . توصل أولينين بطل القصة، في تأملاته عن معنى الحياة إلى الفكرة المذكورة.‏

نجد في مؤلفات ميخائيل نعيمه مثل هذه الأفكار. ففي قصة "ويذوب الجليد" التي نشرها الكاتب في مجموعة "أبو بطة" (1958) يكتب: "مني قشة ومنك قشة" (50 ص564) ومن الآخر قشة، فأنا لا أستطيع أن أعيش في عالمٍ، يده ونظراته وهواؤه وقلبه من جليد، فمني قشة، ومنك قشة ومن كلّ إنسان قشة، ويذوب الجليد. نرى أنّ الكاتب ينادي في هذه القصة بالتعاون، والمحبة لكي نشعر بدفء العالم.‏

وتذكرنا هذه القصة بقصة ليف تولستوي "المعّلم والعامل". (1895) يشعر المعلم بدفء من عامله، ويتحسس أنّه يعيش بسببه، فإنّ عاش العامل، عاش المعلم، وإن مات العامل، مات المعلم. فالمعلم هو العامل، والعكس صحيح. ففي هاتين القصتين نرى أفكار نعيمه وتولستوي عن الروح الأخوية التي يجب أن تخيّم على البشرية.‏

وفي قصة "شهيدة الشهد" من المجموعة ذاتها، حصلت خيزران على العسل من أجل أخيها المريض. من خليّة النحل، فلسعها النحل، فماتت، وحتى الآن تحدث أمّها الناس عنها. وفي قصة "جهنم" كان على عدنان إخلاء البيت الذي يسكنه، فأخذ يحرق كلّ ماعنده حتى توصل إلى صورة عشيقته، التي كانت تخون زوجها معه. وعندما أحرق نصف صورته معها، إذ بجرس الهاتف، وإذا بها تناديه. ويشعر عدنان بآلامٍ عظيمةٍ، ولا توجد لديه وسيلة يتخلص بها من هذه الآلام، فتخلص منها فقط عندما تحسس في قلبه بعض الحبّ، يرى المؤلف أنّ الجنة والجحيم هما حالتان من حالات القلب الإنساني، ومكانهما فيه، وليس في أيّ مكان آخر.‏

وفي مجموعة "النور والديجور" (1948) ، يكتب ميخائيل نعيمه في أكثر من مكانٍ، أنّ على الناس مساعدة بعضهم بعضاً. فكلّ الكائنات الحيّة يساعد بعضها بعضها الآخر. تطير الطيور أسراباً لكي يدافع بعضها عن بعضها الآخر ويساعده، كما تتحسس أعضاء الجسد بعضها آلام بعضها الآخر فإن تألمت يد الإنسان أو قلبه أو عينه تألم الجسد كلّه، وتغير عمله بسبب مرض ألمّ بأحد أعضائه. فحياة الإنسان تتأثر وتؤثر بحياة الآخرين، فإن أحبّ أحد أفراد المجتمع قريبه، فإنما أحبّ نفسه، وإن أحب نفسه أحبّ الآخرين. الكون بكامله مترابط. الماضي يؤثر على الحاضر، والحاضر على المستقبل، الشمس تؤثر على الأرض، وعلى كواكب أخرى، فكلّ ذرةٍ في الكون متأثرة ومؤثرة فالكون وحدة متكاملة.‏

يرى نعيمه أنّ الأنانية، أية كانت، ليست صفةً سلبيةً فقط، وإنّما هي أيضاً صفة غبيّة ولا فائدة منها، حياة الفرد تشبه المياه في المحيط الذي يعطي مياهه عن طريق التبخر، وهي تعود إليه بوساطة الأنهار. كتب عن هذا الموضوع في سيرته الذاتية"سبعون" (1960) وكتب في كتابه "مرداد" أنّ الناس يجب أن يعرفوا أنّ كلّ أعمالهم وأفكارهم ونياتهم وأقوالهم تعود إليهم. ولذلك يجب معاملة الآخرين كما نعامل أنفسنا، ويجب أن ننظف قلوبنا من كلّ نية سوداء شريرة، وآنذاك تختارنا الإرادة الكلية لتخليص البشرية من آلامها، ولكي نستطيع أن نصل إلى المحبة وإلى الفهم الكامل. كذلك كان مرداد يعلّم نوحاً وكذلك علّم الآخرين. كذلك كان يقول الخادم مرداد لتلاميذه. (61 ص564) ومرداد في كتاب نعيمه هو المخّلص، الذي يساعد نوحاً في فترة الفيضانات، وبعد ذلك جاء إلى الدير الذي بناه سام بن نوح، لكنهم في الدير لم يقبلوه كأحد أعضاء الدير، وحرم من حقوقهم، لأنّ ملابسه كانت بالية، وشكله يشبه المتسول. فقبلوه بصفة خادم. فأصبح، برأي الرهبان، قديساً ومعلماً ونبياً. فكتب كلماته أصغرهم سناً. فكتاب "مرداد" هو عبارة عن كلمات مرداد ومواعظه وهي صالحة لكلّ الأمكنة والأزمنة والشعوب.‏

وعندما ذكّر رئيس الدير مرداد بأنّه خادم، أجابه مرداد بأنّ عند رئيس الدير أكثر من خادم، النجوم والكواكب والبحار والمحيطات والطيور والغابات. وعنده أيضاً رؤساء كثيرون، فهم اللصوص والمتسولون كلّ ما في العالم هم سادة وخدّام. الفرد يخدم الجميع، والجميع يخدمون الفرد، رأس الإنسان يخدم المعدة، مثلما هي تخدم الرأس. (61 ص610) ولذلك يقترح مرداد إلغاء كلمة "أنا" لأنّها جزء من الكلّ. لكي نحبّ أنفسنا يجب أن نحبّ الآخرين. إنّنا نعيش لكي ندرك الحبّ، ونحبّ لكي ندرك الحياة. والمحبة هي اللّه، ووصيته. وكل من يحبّ الجزء، ويترك الكلّ فإنّ محبته محكوم عليها بالموت، فكيف نحبّ الأوراق على الشجر ولا نحبّ الشجر نفسه.‏

يستنتج ميخائيل نعيمه أنّ القاتل والقتيل شركاء في جريمةً واحدةٍ، مثل السارق والمسروق، فالمسروق مذنب مثل السارق، فالأمور متشابكة وليست بسيطةً، ولذلك لا يحق لأحدٍ أن يدين الآخرين ولكننا جميعاً يجب أن نحبّ بعضنا بعضاً، ونحب كلّ مافي العالم، أن نتخلى عن ذواتنا ونذوب في الآخرين. وآنذاك تستطيع الإنسانية أن تصل إلى حلمها وهو معرفة كلّ شيء. بالحبّ وحده، وبالقلب وحده يمكن أن ندرك كلّ شيء، لأنّ المحبة هي اللّه، واللّه محبة. وتذكرنا هذه الكلمات بكلمات تولستوي في أسطورة "بم يعيش الناس؟" من كان في المحبة، كان في اللّه، واللّه فيه، لأنّ اللّه هو المحبة" (101 ص25) . ونعبّر عن الحبّ بعمل الخير، وبرفض الشر، ويمكن أن نجد هذه الأفكار في مؤلفات تولستوي، وميخائيل نعيمه.‏

رواية "الحرب والسلام" (1863-1869) ذات مواضيع كثيرة ومتعددة الأفكار. من بين الأفكار البسيطة لهذه الرواية أننا يجب أن نعمل الخير ولا يجوز أن نعمل الشر. يحاول الأمير فاسيلي في هذه الرواية أن يسرق وصية الكونت بيزوخوف، التي بموجبها يحصل بيير على ثروةٍ كبيرةٍ وعلى لقب كونت بيزوخوف، ولكن آنّا ميخايلوفنا حالت دون تحقيق نواياه الشريرة. يتخلص بيير من الفخ الأول الذي نصبه له الأمير فاسيلي، لكنه يقع في الثاني، إذ اضطر إلى أن يتزوج من إيلين ابنة الأمير فاسيلي. ولم يكن معها سعيداً. ولكنّ أفكار الأمير فاسيلي الأنانية لم تعطه الثروة أو الكرامة. وفي سنواته الأخيرة أصبح شيخاً متقدماً في السن، يستحق الشفقة. ولم يستطع أن يزوّج ابنه أناتولي من ماريا بولكونسكي، وأصبح أناتولي بعد معركة باردينو مشوهاً. وماتت إيلين في صباها بسبب حياتها الفاسدة.‏

ولّدت تصرفات الأمير فاسيلي عند بيير فكرةً تشاؤميةً ولعلها أكثر أفكار الرواية تشاؤماً، فلقد سمع بيير قصةً عن الجنود الذين كانوا أثناء الحرب في الخندق وتحت القصف، والذين اختلقوا وسائل كثيرة للتسلية، لكي يتحملوا الحرب بصورةٍ أسهل، ولكي يتناسوا الخطر المحدق بهم، ورأى بيير أن الناس كلهم يشبهون هؤلاء الجنود الذين يحتمون من الحياة ويتناسونها ويتجاهلونها، بعضهم بحبّهم للشرف، وبعضهم بانشغالهم بالسياسة، وبعضهم بهواية الصيد، وبعضهم بالإدمان على المشروبات الكحولية. "لايوجد عمل هام وآخر وضيع، كلّ الأعمال متساوية الأهمية، فقط المهم أن أحتمي منها كما أستطيع! -فكر بيير- فقط المهم ألا ألاحظها، هذه المخيفة" (97 ص297) . ويقصد بكلمة المخيفة أن الحياة مخيفة. إنّ تأملات بيير حول الحياة تشبه تأملات تولستوي نفسه. يكفي أن نتذكر ما كتبه تولستوي في اعترافه (1880) بأنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا حين تسكره الحياة وتغشي بصيرته، أمّا حين يكون صاحياً، فيستحيل عليه إلا أن يرى أنّها زيف محض، زيف غبي! فالحق أنّ ليس فيها شيء مسل أو ذكي، إنّها غبية، بكل بساطة قاسية.‏

ويكتب تولستوي الأسطورة الشرقية التي تتحدث عن مسافر اعترضه في الوعر الفسيح وحش مفترس، فاضطر للهرب منه والقفز في بئرٍ جافةٍ، لكنه رأى من بعيد في قاع البئر تنيناً، قد فتح فكيه لافتراسه، فتمسك بغصن شجرةٍ، لكنه رأى جرذين أبيض وأسود، يدوران حول الغصن، ويقضمانه. فعرف أنّه لا محالة هالك.‏

حالة بيير بيزوخوف غير طبيعية. فهو غني ومتعلم وذو صحةٍ جيدةٍ، ولكنه لا يعرفُ السعادة ويثير السخرية لأنّ زوجته خائنة، ولاتحبه، كلّ فلاح من فلاحيه سعيد أكثر منه. وحصل بيير على السعادة في نهاية المطاف، فتزوج من ناتاشا روستوفا. فاستحق بيير السعادة لقلبه الذهبي. فإذا كان زواج بيير من إيلين قد أدى به إلى التشاؤم فإنّ زواجه من ناتاشا روستوفا أنقذه منه وخلصه من الأفكار السوداوية.‏

أمّا دولوخوف -أحد أبطال الرواية، الذي أصبح عشيقاً لإيلين زوجة بيير "فلعب في حياة بيير الدور نفسه، الذي لعبه أناتول في حياة أندريه بولكونسكي..." (86ص76) وعندما يقع بيير في الأسر، وتظهر جانبه ناتاشا روستوفا، وآنذاك كان المخلّص هو أفلاطون كاراتايوف، الذي ترك انطباعاً كبيراً على بيير ليس بكلماته وإنما بتصرفاته. وتم لقاء بيير بأفلاطون كاراتايوف عندما تحطّم إيمان بيير بعدالة النظام الذي يسود العالم، وباللّه، وتغلغلت أفكار أفلاطون كاراتايوف إلى أعماق قلب بيير ليس كنظريةٍ، كمنظومةٍ فكريةٍ، وإنّما كإحساس بالحياة المحيطة المفقودة المعقولة. أحب أفلاطون كاراتايوف الجميع وعاش الحبّ، وبقوة هذا الحب كان أفلاطون كاراتايوف يحس أنه جزء لا يتجزأ من العالم كلّه. كاراتايوف ابن الطبيعة العظيم. وعندما يموت فإنّما يرجع إلى حضن الطبيعة.‏

ويرى غالاغان أنّ موقف تولستوي من شخصياته هو موقف أخلاقي (142 ص77) يحاول أن يظهر الأحداث من خلال تجربة الخير والشر ومن خلال القانون الأخلاقي. وهذا واضح في مخطوطات "الحرب والسلام"‏

(1863-1869) ، فهذه الرواية يمكن فهمها على أنّها رواية أخلاقية، أكثر مما هي رواية تاريخية. ولعل نابليون بونابرت (1769-1821) هو الشخصية المروعة في الرواية، الذي أقدم على عدد لا يحصى من الجرائم، التي أدت إلى أن دخلت القوات الروسية إلى قلب بلده، إلى باريس. ويفهم الكاتب الاحتفالات الشعبية، والنصر على نابليون من وجهة نظرٍ فلسفيةٍ أخلاقيةٍ، أيّ انتصار العدالة على الظلم والشر في الحياة. وهزيمة نابليون هي هزيمة فلسفته في الحياة، فهو يقوم بدور الجلاّد، لكنه يحاول أن يقنع نفسه بأنّه يهدف إلى خير الشعوب.‏

قائد الجيوش الروسية ما بين عام 1805-1812 الجنرال كوتوزوف (1745-1813) هو الشخصية المضادة لشخصية نابليون بونابرت بكلّ شيء. فلديه حس شعبي، ساعده على التعمق في مجريات الأحداث، وفهم مضمونها ونهايتها. ويبدي كوتوزوف حكمةً شعبيةً ويعتقد بأنّ الصبر والزمن شرطان ضروريان لتحقيق النصر، ولتجاوز الأزمة. يتصف كوتوزوف ببعض الصفات الشعبية العفوية. وتؤدي هذه الروح العفوية إلى البطولة الشعبية الإنسانية، التي حققها الناس العاديون البسطاء، وليس القادة، حتى ناتاشا روستوفا، التي لا تفكر بالقرارات التاريخية المصيرية، وإنّما تطيع إحساساتها العفوية الفطرية، تقوم بالمساعدة على نقل الجرحى من موسكو، وعملها هذا عمل تاريخي. ومثل هذه الأعمال البسيطة العفوية أدت في نهاية المطاف إلى النصر التاريخي على النابليونية. تتصف ناتاشا روستوفا بالصفات الشعبية البسيطة الطبيعية العفوية ولذلك يتعلق بها كلّ من الأمير أندريه بولكونسكي والكونت بيير بيزوخوف، الشخصية القريبة إلى قلب تولستوي فقد ظهر في بداية الرواية، واستمر حتى نهايتها، كأنه يرمز إلى الشعب الذي لن يموت.‏

في الحادي عشر من نيسان عام 1908 أيّ عندما كان عمره أقل من عشرين عاماً يكتب ميخائيل نعيمه في يومياته التي نشر بعضها في الجزء الأول من سيرته الذاتية "سبعون" (1959) عن هذه الرواية أكثر من مرةٍ، لأنّه قرأها خلال فترةٍ طويلةٍ، لأنّ الرواية، كما هو معروف كبيرة الحجم، وتتضمن أفكاراً عميقةً، وتتحدث عن مصائر أوروبا في زمن نابليون بونابرت (1769-1821).‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://taghzout.mam9.com
 
التضحية في سبيل الآخرين‏
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير :: دراسات أدبية :: تولسـتوي ودوســتيفسكي فـي الأدب العربـيّ-
انتقل الى: